مركز أخبار الصناعة المالية الإسلامية


فعاليات الندوة العلمية "الإقتصاد الإسلامي في ماليزيا... رؤية فكرية اقتصادية"

رستم بن محمد باعمارة

نظم معهد المناهج يوم السبت23 محرم 1431هـ الموافق لـ09 يناير 2010 ندوة علمية حول"الإقتصاد الإسلامي في ماليزيا... رؤية فكرية اقتصادية" نشطها أساتذة متخصصون وهم الدكتور حمدي محمد وهو باحث في الإقتصاد الإسلامي، والدكتور محمد باباعمي الذي صدر له مؤخرا كتاب"القاموس الحضاري للمجدد محمد مهاتير" يعنى بالمنطلقات الفكرية لمؤسس نهضة ماليزيا الحديثة الدكتور محمد مهاتير رئيس الوزراء الأسبق لماليزيا، وكانت مفاجأة الندوة مداخلة سعادة سفير ماليزيا بالجزائر الدكتور MUJTABAR SANI HASRUL حول فرص التعاون بين ماليزيا والجزائر.
هذه الندوة التي حضرها عدد كبير من الأكاديميين والباحثين وعدد من أرباب المؤسسات الإقتصادية وممثلي المؤسسات المالية الإسلامية في الجزائر، كما تزامنت هذه الندوة مع افتتاح السنة البحثية للفرع الحضوري لقسم الماجستير بمعهد الدعوة الجامعي اللبناني، وافتتاح قسم التكوين المتخصص في مناهج البحث العلمي.
بداية الندوة كانت بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم من المقرئ المجاز عيسى ودادي عبد الوهاب بعدها قام الأستاذ طه بن ابراهيم كوزي بتلاوة برنامج الندوة وأهم فقراته كما اعتذر للحضور عن التأخر بربع ساعة عن الوقت المحدد لبدأ الندوة بسبب تقلب الأحوال الجوية. بعدها افتتح الدكتور محمد بن موسى باباعمي السنة البحثية للمعهد فبدأ كلمته بحمد الله تعالى على هذا الفتح المبين، كما اعتبر أن هذا الإنجاز جاء بتعاون الجميع من طلبة وأساتذة وإدارة معهد المناهج، كما ذكر الحضور بأهمية وضرورة البحث العلمي في التمكين الحضاري كما اعتبر أن معهد المناهج يأتي كواصلة خير بين الطلبة والجامعات العالمية إذ يسعى المعهد لتهيئة كل الظروف الملائمة لدراسة الطلبة.
بعدها أعطى الانطلاقة لبدء الندوة الاقتصادية الفكرية "الإقتصاد الإسلامي في ماليزيا... رؤية فكرية اقتصادية" بمداخلة قدمها الدكتور محمد حمدي الباحث في الاقتصاد بماليزيا، التي تحدث فيها عن تجربة الإقتصاد الإسلامي في ماليزيا، وهي الدولة التي اختارت الإسلام طواعية فمثلته أحسن تمثيل. كما اعتبرها بلد التحديات، إذ أنها في فترة وجيزة قفزت قفزة نوعية في كل المجالات، كما كانت كل أزمة تمر بها هذه الدولة سببا في تطورها فضرب لذلك أمثلة مثل أزمة 1985 حين هوت أسعار المواد الأولية في الأسواق الدولية فولت ماليزيا قبلتها نحو التصنيع فبعدما كانت جل صادرات ماليزيا من المواد الأولية حتى أصبحت تصنع كل شيء أضحت علامة مميزة في تصدير الرقائق الإلكترونية. كما أن للاستقرار بهذه الدولة دور كبير في معادلة تطور ماليزيا فقد قامت هذه الأخيرة بتعزيز العلاقات مع جيرانها فاستطاعت كسب ودهم فحولت الميزانيات الضخمة المعدة للأمن إلى أشياء أخرى مثل التعليم والبحث العلمي.
كما تحدث الدكتور محمد حمدي عن أسلمة الاقتصاد الماليزي فبعد خروج ماليزيا من الاستعمار لم تتبن لا الرأسمالية ولا الاشتراكية وإنما تبنت الإسلام كنظام حياة، بالإضافة إلى دور المفكر ورئيس الوزراء الأسبق لماليزيا محمد مهاتير الذي قاد ماليزيا لمدة 22 عاما بين سنتي 1981و2003. ففي مجال الإقتصاد كانت البداية عن طريق إنشاء مؤسسات الحج والزكاة والتأمين التكافلي وبذلك استطاعت جمع المدخرات إذ كانت هذه المؤسسات الاقتصادية الاجتماعية اللبنة الأساسية لإنشاء البنوك الإسلامية، كما لم تقم الحكومة الماليزية بإقصاء الآخر فتركت مجال العمل للبنوك الأخرى خاصة وأن هناك فئة لا يستهان بها من غير المسلمين هم أبناء ماليزيا، كما أن وجود البنوك الربوية يبعث جوا من المنافسة الشريفة.
وفي المحور الأخير لمداخلته تحدث الدكتور حمدي محمد عن الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، هذه الجامعة التي تمتاز بطابع معماري إسلامي مميز، وبداخل حرمها يوجد المسجد الجامع، كما تضم تسع كليات من العلوم الشرعية إلى العلوم التقنية مرورا بالعلوم الإنسانية وهذا لأن مؤسسي هذه الجامعة لا يؤمنون بالانفصام بين المادة والروح فالكل متكامل حسبهم، كما أن هذه الجامعة تضم مكتبة زاخرة بالكتب بها آخر الإصدارات العلمية من المجلات المحكمة في شتى المجالات. وبعد نهاية المداخلة التي استفزت عقول كثير من الحاضرين بدأت فترة المناقشة.
بعد انتهاء هذه المحاضرة أخذ الجميع فترة استراحة تناولوا فيها إكراميات كما كانت فرصة للتعارف.
بعد هذه المداخلة القيمة جاء دور الدكتور محمد بن موسى باباعمي ليقدم محاضرة تحت عنوان "المنطلقات الفكرية للاقتصاد الماليزي من خلال محمد مهاتير" حيث جال فيها الدكتور في آفاق كبيرة للإسلام باعتباره دينا للحضارة، فبعد تنقيبه عن تجليات الإسلام في أعمال مهاتير التي صير منها تطبيقات عملية كبيرة في ماليزيا، كما صرح الدكتور محمد عن علاقته بمهاتير إذ يقول"أن لكل انسان مذهبا يتمذهب به وإني أرى المذهبية الفقهية قد انحسرت في الشعائر، فلا أتنكر لها ولا أنفيها... غير أنَّ الفكرَ هو مذهبي، ومالك بن نبي، وعلي عزت بيجوفيتش، ومحمد مهاتير، وجيفري لانغ، وعمرو النامي... هم أيمَّتي... بهذا ألقى الله، ولا أبالي..."
كما أن مداخلة الدكتور جاءت إجابة على مفارقة عجيبة وهي مفارقة تخلف أمَّة الوحي، وتحضُّر أمم مرجعها الإلحاد أو الشرك“ فهل الإسلام هو مصدر التخلف وسبب لقتل المسلم لأخيه المسلم؟... لكننا بالعودة إلى القرآن نجد آياته تدعو إلى التمكين والاستخلاف الحقيقي في الأرض، ومن هذا الفهم أراد الدكتور أن يبحث عن برادايم الإسلام الحقيقي فسافر إلى ماليزيا وقرأ لمهندس نهضتها محمد مهاتير، فوجد أن أسس الاقتصاد الماليزي ينطلق من مفاهيم هي : الفهم الصحيح للإسلام، الوعي الحقيق بالعصر، العدل، البحث العلمي والتخطيط،كل فكر لا يعقبه تغيير هو مستنقع للحضارة، الإنسان هو عصب الحضارة، من ديننا نتعلم الانضباط، وبالنظام نصنع الفرق، ماليزيا أولا... وماليزيا آخرا... نحو نموذج للأمَّة المسلمة المتحضرة... أمة واحدة.
بعد نهاية هذه المداخلة والتعقيبات الكثيرة تفضل سعادة سفير ماليزيا بالجزائر الدكتور MUJTABAR SANI HASRUL ليقدم مداخلة عن فرص الاستثمار والتعاون بين الجزائر وماليزيا حيث بدأ مداخلته التي ألقاها باللغة الإنجليزية بتحية الحضور بالعربية وقراءة الدعاء، كما قام بشكر معهد المناهج لهذه الدعوة الكريمة وبشكر الحاضرين لاهتمامهم بدولة ماليزيا، كما أكد أن العلاقات بين ماليزيا والجزائر رائعة فقد قام الرئيس بوتفليقة بزيارة تاريخية لماليزيا سنة 2003، كما قام رئيس الوزراء الأسبق محمد مهاتير بزيارة للجزائر، ثم انتقل للحديث عن مهاتير هذا الرجل الذي قام بإصلاح كثير من الأمور ويعتبر في ماليزيا الأب الروحي لكثير من الماليزيين من أمثاله، كما أنه بالرغم من استقالته لايزال يمارس أعماله الفكرية ويعطي رأيه في العديد من القضايا وآخرها قضية حظر المآذن في سويسرا إذ اعتبر أن السويسريين يمارسون نوعا من التضييق على الحريات الدينية للأشخاص، كما بعدها انتقل سعادة السفير للحديث عن دولة ماليزيا واعتبر أنها تعامل الدول الإسلامية من منطلق الأمة الواحدة فهي تعيش آمالها وألأمها، ويؤلمها كثيرا ما يحصل لإخواننا في فلسطين من حصار وتناحر داخلي، كما اعتبر أن ماليزيا نموذج للديمقراطية واحترام الآخر دون تزييف فهي نموذج حي للإسلام الحضاري ينبغي للغرب أن يقتدي منه للخروج من أزماته التي يعيشها، ومن المواقف التي اتخدها حينما كان يعمل بوزارة الداخلية بماليزيا هو قيامها بالإمضاء رسميا على اعتماد مكتب الجزيرة في ماليزيا من أجل مساعدة القناة على نقل رأي الدولة الماليزية حول مختلف القضايا الراهنة بعد التضليل الإعلامي الممارس من طرف الغرب.
وفي حديثه عن فرص التعاون بين ماليزيا والجزائر دعا سعادة السفير الحاضرين إلى رحلة سياحية إلى بلده من أجل اكتشاف هذا البلد عن قرب، كما عبر عن تمنيات الماليزين نقل تجربتهم في التكنولوجيا إلى الأمة الإسلامية ليس لأنها تفتح سوقا جديدة لماليزيا بل من أجل أن ترتفع بالمستوى التكنولوجي للجزائر لتصل إلى درجة التقدم الذي وصلته ماليزيا وفي الأخير تمنى أن يتطور التعاون ليشمل بعثات علمية وتبادل تكنولوجي واقتصاديا مثمرا، بالإضافة إلى مجالات كبيرة تتمثل في التعليم وصناعة السيارات والسياحة والبنوك الإسلامية والمنتجات الكهربائية بالإضافة إلى الآلات ومواد البناء المقاومة للكوارث الطبيعية...
وفي حدود الواحدة والأربعين دقيقة بعد الزوال اختتمت الندوة، وكل الحاضرين أمل أن تكون هذه الندوة بداية لأبحاث قصد الإستفادة القصوى من هذه التجربة الإسلامية الرائدة.