اقتصاد
الخبير الاقتصادي مسدور فارس لـ''الخبر''
زكاة الجزائريين تفوق 18 ألف مليار سنتيم لكنها غير مستغلة
مؤسسة المسجد أخفقت في التنظيم وديوان الزكاة يقضي على الفقر ويلغي وزارة التضامن يكشف الخبير الاقتصادي، مسدور فارس، منظّر وصاحب فكرة تأسيس صندوق الزكاة في الجزائر، وعميد كلية الاقتصاد والإدارة بالجامعة الأسكندنافية المفتوحة لـ''الخبر''، عما اعتبره إخفاقا لمشروع صندوق الزكاة. وكيف أن مؤسسة المسجد لم تنجح في تنظيم جمع وتوزيع أموال الزكاة، وبيان أن ما تم جمعه يمثل ما أصبح يصطلح عليه بزكاة ''الشاشية''، وأسباب تجاهل وزارة الشؤون الدينية مرحلة الهيكلة والانتقال من التنظيم الشعبوي إلى المؤسساتي. والسؤال حول مشروع القرض الحسن، ومصير ربع زكاة العام 2009 التي كانت موجهة إلى أهل غزة في فلسطين. فضلا على حقائق حسابية ورياضية بالأرقام، تبين أن زكاة الجزائريين تصل إلى 5 ,2 مليار دولار لكنها تبقى غير مستغلة.
هناك من يعتبر أن تجربة مشروع صندوق الزكاة في الجزائر كانت فاشلة، وأن الأموال التي يتم جمعها هي أكثـر من التي يصرح بها رسميا؟
المشروع لم يفشل، وفرص النجاح ما تزال قائمة، ولكن بشرط أن وزارة الشؤون الدينية الجهة الوصية، تعمل بالمخطط الذي تم وضعه في الـ2003 وتتجاوز مرحلة التنظيم الشعبوي المحددة بـ05 سنوات إلى مرحلة التقنين والهيكلة وخاصة الاستقلالية، بإنشاء الديوان الوطني للزكاة، والذي ما يزال مطروحا على مكتب وزير الشؤون الدينية منذ شهر ماي من العام 2008، دون نظر يوحي بوجود إرادة فعلية في تطوير المشروع والشروع في تنفيذه والانتقال إلى المرحلة الثانية منه. أما الأموال التي يتم جمعها والحديث عن عدم تطابقها مع تصريحات جمع أكثر من 300 مليار سنتيم فقط في زكاة المال منذ 2003، فالجواب بسيط؛ ويتلخص في أن مؤسسة المسجد لم تنجح في عمليات تنظيم جمع وتوزيع الزكاة، وأن بعض ضعاف النفوس على مستواها لم يكونوا يصرحون بالقيمة المجموعة كليا. وطرح قضايا على مستوى القضاء دليل على التجاوزات المرتكبة في هذا الجانب، ووقوع جرائم اختلاس مالي صريح فصل القضاء في عدد من قضاياه، ناهيك عن السرقات التي تعرضت لها الصناديق المسجدية، ومخالفة عدد من الأئمة التعليمات الوزارية القاضية بعدم ترك الصناديق عامرة بعد صلاة العشاء. ما يوحي بهشاشة التنظيم الحالي لصندوق الزكاة وعدم صلاحيته لهذه المرحلة.
إن هناك من أعاب على مشروع القرض الحسن فكرة إرجاع المستفيدين من المال المزكى إلى الجهات المسؤولة عن التوزيع، ورأى أن ذلك لا يختلف عن مسألة القروض البنكية إلا في انعدام نسبة الفائدة؟
القرض الحسن الذي عرف أول تطبيق له في الـ 2004 أصبح مشكلا ونقطة سوداء تسجل في المشروع الأم، وإن كان الانتقاد الموجه في مسألة إعادته ليس في محله. وللتوضيح، فإن الفقهاء أجازوا في اجتهاد منهم ذلك (يمكن الرجوع في ذلك إلى فقه الزكاة الجزء الثاني للدكتور يوسف القرضاوي). ولكن حقيقة الإشكال قائمة في الجهة المشرفة والمنظمة لذلك، لأنها ببساطة لم تفعّل آليات المرافقة والمراقبة والمتابعة الميدانية عند الاستفادة من القرض. خلّف نسبة عدم استرداد ساوت الـ70% من إجمالي قروض قاربت الـ4500 قرض حسن. وعدم تفعيل تلك الميكانيزمات ترك المجال للمستفيدين يغيّرون في مشاريعهم وينفقون تلك الأموال في مصارف غير تلك التي كانت موجهة إليها ومبرمجة حسب المشاريع المتفق عليها. وهنا وقع مشكل استحالة استرداد تلك القروض.
هل صحيح ما تفضلتم به من التصريح بأن قيمة زكاة الجزائريين الحقيقية غير تلك التي تم جمعها، وأنها تقدر بملايين الدولارات. وأنه لو تم جمعها فعلا، فإنه سيتم القضاء على الفقر في الجزائر، وسنتمكن وقتها من صرفها على دول فقيرة أخرى؟
الكلام صحيح، وزكاة الجزائريين الحقيقية، حسب تقدير أولي ومحسوب رياضيا، يساوي 5 ,2 مليار دولار، أو ما يعادل 18 ألف مليار سنتيم على أساس سعر 1 دولار يساوي 74 ,5 دينار. وللشرح أكثر أقول، إن النتيجة تحصلت عليها من خلال جمع قيمة واردات الخواص من التجار التي بلغت 1 ,8 ملايير دولار في الـ2005 وعدد الملفات الجبائية التي تساوي 694 ألف ملف (2003). بينما بلغ حجم القروض البنكية 1720 مليار دينار في الـ 2005، بالإضافة إلى أنه يمكن اعتماد فكرة حساب الزكاة من الناتج الداخلي الخام والتي تكون في العادة في أي بلد بالعالم الإسلامي تتراوح بين 5 ,2 إلى 5 إلى 10% (اعتمد الدكتور على أدنى نسبة وهي 5,2%) زائد عدد مليارديرات الجزائر الذي وصل إلى 6000 شخص، حسب تقرير تم نشره في الـ2006 عبر وسائل الإعلام، نجد أن قيمة الزكاة هي 5 ,2 مليار دولار كأدنى مبلغ يمكن جمعه في بلادنا. وإذا ما تم حساب زكاة 2 ,1 مليون مؤسسة صغيرة ومتوسطة على خلفية 10 آلاف دينار للمؤسسة الواحدة، نحصل على ناتج زكاتي يساوي على الأقل 300 مليون دينار.
مع الإقرار بأن زكاة أحد رجال المال والأعمال الجزائريين قدرت بـ25 مليون دولار، وآخر زكاته لا تقل عن 100 مليون دولار.. فأين هي زكاة هؤلاء الناس؟ نفهم من كلامكم أنه في حال ما تم فعليا جمع هذا الرقم، فإن ظاهرة الفقر يمكن القضاء عليها نهائيا في الجزائر. ولكن أين تذهب زكاة أموال الجزائريين؟ وهل يمكن الاستغناء عن المساعدات الاجتماعية التي تقدمها وزارة التضامن الاجتماعي؟ وما مصير ربع زكاة 2009 التي تم تخصيصها لأهل غزة في فلسطين؟
إذا ما تم ذلك وفق الشروط المحددة خاصة استقلالية الديوان الوطني للزكاة (المشروع المشابه للديوان الوطني الحج)، فإن القضاء على ظاهرة الفقر المتنامية في الجزائر لن تستغرق سوى 10 سنوات. مع ملاحظة يجب ذكرها وهي أن برنامجا معلوماتيا نوعيا ومميزا في الوطن العربي والعالم الإسلامي تم إعداده، جاهز منذ 2006، يعمل على ضبط وإحصاء الفقراء بشفافية مطلقة، ويعتمد على نظام التنقيط ما يزال غير مستغل لحد الساعة من طرف مكاتب الزكاة. ووقتها يمكن للحكومة الاستغناء عن وزارة التضامن والتكافل الاجتماعي وكل أشكال المساعدات الاجتماعية التي تقدمها. وسيتحول الفقراء إلى مزكين وتبدأ فكرة جمع الزكاة تأخذ شكل جغرافيا خارج الحدود الوطنية. (الفقير هو كل شخص دخله السنوي أقل من نصاب الزكاة يعيل أسرة تتكون من 03 أولاد وزوجة). وهي الفكرة التي سيتم مناقشتها خلال الشهر الداخل بدولة قطر، بعد ترحيب وقبول رسمي بالحديث عن الصندوق العالمي للزكاة. لأن أطرافا لا تريد الخير لهذا الوطن، وحاولت مرارا إجهاض أية محاولة لأي عمل فيه مبادرة التطوير والهروب من التخلّف ومظاهره. أما عن مصير ربع زكاة 62 مليار سنتيم التي تم جمعها في الـ2009، فالسؤال يبقى مطروحا في ظل الأحداث الأخيرة وما نجم عنها. ووجب التذكير في هذا المقام، بأن الحساب الوطني لصندوق الزكاة الذي تصب فيه نسبة 2% من الزكاة المجموعة كل سنة منذ العام 2003 ما يزال مجمدا وغير مستغل لغاية اليوم. وهذا يتعارض مع مبدأ الفورية في إخراج الزكاة. وعليه، وجب الإسراع في استغلاله بشكل رشيد وشفاف وإنشاء الهياكل القاعدية لصندوق الزكاة على المستوى الوطني، ودعم الحملات الإعلامية القوية باستخدام كافة وسائل الإعلام.
المصدر :البليدة: فيصل. هـ